اندونيسيا (1): الإسلام



مثلما هو ظاهرٌ في العنوان ، هذه ستكون أولى التدوينات التي اتكلم فيها عن رحلتي التي قمت بها في هذا الصيف إلى دولة اندونيسيا. "الحلقات" لن تكون مرتبة زمنيا بالنسبة للرحلة و إنما ستكون من غير ترتيب و عدد التدوينات لا أعرفه!!

عنوان هذه الحلقة هي: الإسلام. لن اتكلم عن المعلومات المتكررة عن اندونيسيا كأكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان فهذا غني عن التعريف. و لن اتكلم عن مظاهر إحياء المناسبات الإسلامية الجميلة لرأس السنة الهجرية و المولد النبوي و غيرها. و إنما سأكتب عن عدة مواقف أو قل مشاهد شهدتها عن هذا "الإسلام" هناك من جهة أخرى.

المشهد الأول:
كنا في صباح يوم جمعة خرجنا متوجهين إلى منطقة جبلية جميلة تُدعى "باتورادين" (Baturraden) في وسط جزيرة جاوة. و في الطريق أدركتنا صلاة الجمعة. النظام هناك أن الطرق بين المدن هي طرق تمر على القرى الصغيرة المنتشرة. و ستجد العديد و العديد من القرى على "ضفاف" الطريق كبيرها و صغيرها. توقفنا عند قرية صغيرة حيث لم يكن ما بين بدايتها و نهايتها أكثر من 10-15 بيت. عندهم مسجد واحد. الجميل عندهم هناك أن المسجد يكون أفخم و أكبر بناء موجود في القرية. أول ما أثار لي بالي هو نظام منطقة الوضوء فيه (و في اندونيسيا عموما) و لاحظوا أنا قلت منطقة الوضوء و ليس الحمامات. في المساجد ، مكان الوضوء ليس له علاقة بالحمامات (الله يكرمكم الـToilets يعني). و قد لا تجد في كثير من المساجد و المصليات حمامات. و عند دخول منطقة الوضوء ممنوع منعا باتا الدخول بالحذاء و هناك من يراقب وهو غالبا المسؤول عن نظافة المسجد كله و يأخذ أجور بسيطة من المرتادين. و بالتالي النتيجة أن مكان الوضوء لا تدخله أوساخ الأحذية مما ستجد المكان نظيفا يستخدم فقط لوضوء الصلاة و لكم أن تقارنوا ذلك بدورات مياه الطرق السريعة عندنا -الله يكرمكم-!!!

و أكثر ما لفت نظري و حرك ما داخلي هي في الفترة التي قبل طلوع الإمام المنبر لبدء الخطبة. أقول لكم لماذا. العادة هناك و خاصة في هذا المسجد هو ان يقوم المؤذن بتذكير المتواجدين بالانصات في الخطبة بتلاوته الواضحة للآية المعروفة. و يزيد بتكراره بقوله: اسمعوا و انصتوا. و ثم يختتم "المراسم" بالصلاة على النبي بصوت جميل و من ثم يأتي الإمام لبدء الخطبة. الذي فعلا أثّر فيّ هو بنظري إلى الموجودين من أهل هذه القرية و مقارنتهم بي. هؤلاء الآن يلبسون أنظف و أبهى ما عندهم و يعبرون عن التزامهم و تعلقهم بالشعيرة مع الصلاة على النبي بأصوات جميلة و هم على بعد ما لا يقل عن 10000 كيلومتر من مكة و المدينة، و هم في منطقة في وسط الجبال على طرف الطريق في قرية صغيرة بمعنى: In the middle of nowhere بالنسبة لي أنا "مدّعي" الإسلام الساكن في أقرب الأماكن إلى مكة المكرمة و المدينة المنورة!! فعلا الواحد منا لا يعرف حجم نعمة قربه من مكة و المدينة.

المشهد الثاني:
أو قل مشاهد. أعني بذلك تكرار هذا المشهد هناك. أنا اتكلم عن توافر أماكن الصلاة. لا اتكلم طبعا عن المساجد الجامعة. لا أبالغ إن قلت أن في الشارع الواحد الصغير في اي مكان ستجد على الأقل مصلىً أو اثنين. و الأغرب من ذلك هو أننا كنا في إحدى مدن الترفيه في مدينة جاكرتا العاصمة. و مدينة الترفيه هذه مدينة فعلا لاتساعها ، بل يومك كله يستهلك و انت هناك. على العموم الفكرة هي في أن مدينة "الترفيه" هذه بها لا يقل عن خمس او ست مصليات لخدمة مرتاديها!! و لكم المقارنة.

و يتكرر ذلك في محطات البنزين. هناك جميع محطات البنزين في اندونيسيا مسؤول عنها شركة البترول الاندونيسية (المكافئ لشركة أرامكو). أنا اتكلم عن المحطات جميعها و ليس فقط في الطرق بين المدن ، جميعها قد لا يكون بها مطعم أو بقالة و لكن يجب أن تكون فيها مصلى نظيف و بل يضعون في لوحة المحطة تواجد "مصلى" هنا!!

المشهد الثالث:
مشهد جميل و في نفس الوقت طريف. كما هو معروف أن الغالبية في اندونيسيا مسلمون و لكن ليس الغالبية من النساء من المحجبات. وبل كثير منهم في الأصل لا يلبس اللباس المعتاد من المسلمة. لا نظلم غيرهن من اللاتي لم يغطين شعورهن لكن بثياب أقول عنها مقبولة. و الحمدلله أن محلات و أقسام الملابس النسائية الإسلامية تنافس غيرها. لا يهمنا ذلك الآن. المهم هو أن الغالبية (و ليس الكل) من النساء يصلين الصلوات في أوقاتها. و ترى الواحدة منهن تدخل المصلى بلباسها القصير و تلبس هناك لبس الصلاة الخاص تصلي (انظر الصورة المرفقة أعلاه). أنا قلت في بداية هذه الفقرة أنها ستكون طريفة. فعلا المنظر طريف. قال لي أحدهم ان إحدى المتسابقات في Indonesian Idol (المكافئ لـ"سوبرستار" عندنا) سألوها ماذا تتمنين؟ فجاوبت أنها تتمنى أن تحج إلى بيت الله!! هل تتوقعون إجابة مثلها في سوبرستار؟! انا في رأيي أن هذا المشهد هذا في اندونيسيا فيه خير كبير. بمعنى أن حس الالتزام بالدين و الانتماء له موجود و إن كان ليس في جميع مناحي الحياة هناك. لكن على الأقل مشهد كهذا له دلالة كبيرة.

مشهد آخر أخير:
كنا في إحدى المكتبات الكبيرة (المماثلة لمكتبات جرير عندنا). المبنى كان جميعه للكتب و غيرها. لكني لاحظت وجود غرفة جانبية مكتوب عليها ((مصلى)). و تبين أن الغرفة هي مصلى للموظفين في المكتبة حتى إذا أراد أحد منهم الصلاة دخل إليها و صلّى ثم يرجع إلى مزاولة عمله. و فعلا رأيت بعض العاملات كانوا يتناوبون على الدخول و الخروج على هذا المصلى ، طبعا هناك المحلات و الأسواق لا تغلق وقت الصلاة. لكن العاملين من أنفسهم ذهبوا للتناوب لاستخدام الغرفة "المخصصة" لهم للصلاة مع عدم اخلالهم للعمل الموكل اليهم في وظيفتهم في المكتبة هذه...... هل مثلا مكتبة جرير بها هكذا غرفة خاصة للصلاة مكتوب عليها "مصلى"؟؟؟ الصراحة لا أدري.....


هذه فقط مشاهد بسيطة توضح صورة صغيرة عن ما أحسست به من اعتزاز لهؤلاء المسلمين البعيدين جغرافيا عنا. فقط...


Share/Save/Bookmark

4 التعليقات:

  fairouzi

16 سبتمبر 2008 في 7:32 ص

تبدو لي هذه الرحلة ممتعة وخصوصاً إلى بلد جميل مثل أندونيسيا. جذبتني بساطتهم وودّهم من الناحية الدينية. بانتظار حلقاتك القادمة ويا ليت لو تحدثنا عن عدد المدن التي زرتها وما هي أولاً وتعاملهم ونظرتهم للخليجيين ثانياً.

  غير معرف

16 سبتمبر 2008 في 4:10 م

شاكر لك مرورك هنا...

و عن الحلقات ، إن شاء الله ستجد ما يسرك. الصاحة ليست عندي "خطة" للحلقات و لكن متى أردت الكتابة عنها كتبت!

  غير معرف

19 سبتمبر 2008 في 4:59 م

ماشاء الله ماشاء الله ... بهذا المقال انت حللت فلوس التذكره :D

مبحث جيد عن اندونيساارجوا من الكل قرائته.


وبعدين يامحمد اش الحركات هذي ... ماشاء الله صارات مدونتك عامره بالمواضيع المختلفه.

يالله كدا شد حيلك، عاوزينك تدخل في موضوع من مواضيع اياهم ;) ومتخفش ياعم انا حكون جنبك.


ع العموم الله يوفقك دايما يامحمد.

أخوك ابو عابد

  غير معرف

20 سبتمبر 2008 في 1:55 ص

أهلا بيك والله...

و ايش المواضيع اللي تبغاها؟؟

و مشكور على مرورك الكريم

إرسال تعليق