البروفيسور ريتشارد إرنست



أكتب هنا عن محاضرة حضرتها قبل لحظات (بالتحديد في صباح اليوم الأحد) في جامعتي جامعة الملك فهد. ما ميز هذه المحاضرة خصيصا هو امتزاج العلم مع الحياة و العاطفة.


صاحب المحاضرة فائز بجائزة نوبل في الكيمياء سنة 1991 للميلاد. المتحدث هو البروفيسور ريتشارد إرنست من معهد زيورخ للتكنولوجيا في سويسرا. المحاضرة كانت حكاية جميلة منذ الولادة إلى هذا اليوم. الحكاية تروي تجربة عالم في رحاب هذه الدنيا يذكر فيها تجربته في العلم و في الحياة.



أجمل ما في ما ألقاه البروفيسور -كما ذكرت- هو رواية تجربة حياته في الجانبين العلمي الدنيوي (من كلمة الدنيا = العالم = الطبيعة) و الجانب العاطفي غير المتعلق بهذه الطبيعة. امتدت المحاضرة لحوالي الساعة و الربع. بدأ فيها في ذكر شغفه بالكيمياء مبكرا مع اقتران هذا الشغف مع شغف آخر و هو الموسيقى. أعجبني مشاركته للحضور تفاصيل حياته الطريفة الشخصية. و أكّد على أهمية اشتغاله بالعلم في حياته مع مزجها بحبه لتأليف الموسيقى!


سافر إلى أمريكا (كجميع العلماء الأوروبيين في تلك الحقبة بعد الحرب العالمية) لتفعيل "حلمه" في نشر إنجازاته العلمية للعامة. بل حتى أشركنا في حكاية زواجه قبل يومين من سفره إلى أمريكا! كان مجال بحوثه و اكتشافاته هو في مجال "الرنين المغناطيسي النووي" NMR. و أكّد هنا أيضا على أهمية ربط البحث العلمي بعملية الإنتاج الصناعي مثلما فعل هو في استخدام إنتاجه العلمي في أجهزة التصوير المغناطيسي MRI المعروفة -مثلا-.


حصل البروفيسور إرنست على جائزة نوبل سنة 1991 "لإنجازاته في مجال الرنين المغناطيسي النووي". حكى أيضا بكل طرافة احتفاله بالجائزة مع زوجته و احتسائهما الشمباينا فرحا!! بيّن لي هذا الجو الودي في هذه المحاضرة و فيمن حضرها من الدكاترة و الطلاب وسع صدر المجتمع العلمي الفكري (أو أحسبه كذلك!). ذكر أيضا البروفيسور اهتمامه الحالي للرسومات التراثية من الهمالايا و استطرد فيها.


لكن أكثر ما أعجبني في المحاضرة إعطائنا درسا مهما في حالة العالم و العلم. وضع فيها بعض النصائح و بعض القوانين. لكن ما وضعه من "قوانين" يتمثل لي في خطوات مهمة لأي مهتم بالعلم (أيا كان العلم). من "قوانين" البروفيسور للمهتم بالعلم:

  • التذبذب الدائم بين الثقة بالنفس وبين احتقارها
  • التذبذب بين العناد و المرونة
  • دوام التساؤل
  • التفكير بطريقة واسعة بين حقول العلم جميعها.

أنهى محاضرته بنصيحته للمشتغلين بالعلم بعدم انغلاقهم على النظريات و المختبرات و النطاقات الضيقة لحوثهم. نصحهم أيضا بالمقابل بالمشاركة للتأثير في العالم ، العالم المادي الخالي من الـPassion (العاطفة) أو ما أسميه أنا الـ"روح" (بمقابل الجمود).

أختم أنا كلامي بنقطة ذكرها البروفيسور في غاية الأهمية لتقدم أي مجتمع. مثّل لنا البروفيسور أمامنا بصورة دراجة. الدراجة تنقسم إلى ثلاثة أجزاء:

  1. جسم الدراجة الذي يمثل المجتمع (الإنساني) Society
  2. العجلة الخلفية الدافعة للدراجة الذي يمثل الصناعة و الإنتاج Industry
  3. عجلة التوجيه الأمامية للدراجة التي تمثل التعليم و العلم و البحث Academia

أجد في تقسيمه "روشتة" سريعة جامعة للتقدم.

في نهاية كلامي أود تذكير الناس بأهمية مبدأ "البحث". لأن فرص نجاحه "عندنا" كبيرة في هذا الزمن إذا -إذا ضخمة- توفرت وسائله. فرص النجاح كبيرة بحسب كلام البروفيسور نظرا لعلو قدم المجتمعات المتمسكة بالتراث و الـPassion -على حد تعبيره المتكرر- إذا كانت في نفس الوقت مجتمعات منتجة ، بعكس العالم "الآخر" المادي ... و هذا كلام البروفيسور السويسري ريتشارد إرنست نفسه.


Share/Save/Bookmark

0 التعليقات:

إرسال تعليق