الإسلام و النضج الإعلامي


خلال اليومين السابقين مباشرة حصلت عدة أمور ذات علاقة بـ"الإسلام". ليس جديدا أبدا حدوث ذلك في ظل الأجواء "الإرهابية" المنتشرة. لكن المغاير هذه المرة هو اختلاف الموضوع تماما. أشعر أنه بدأت مرحلة "النضج" في تعامل العالم و الإعلام مع هذا "الإسلام".

أتكلم هنا عن إقرار البرلمان التركي في رفع الحظر على غطاء الرأس في مؤسسات التعليم العالي و عن تصريحات أسقف كانتربري في انجلترا عن الشريعة الإسلامية. في هذين الحدثين "الاختلاف" يكمن في ابتعاد الأمرين عن ما اعتدناه من ذكر ما يسمى بالإرهاب أو غير ذلك من ما يشابه عبارة "الإرهاب". و نقطة أخرى في الاختلاف هذه المرة هو "ارتفاع" مستوى التفاعل من جهة الإعلام تجاه الحدثين -على الأقل كما أراه-.


"أعجبتني" فقرة أخبار على رأس الساعة -كالمعتاد- في قناة الـBBC التلفزيونية قبل يومين لسبب. و ذلك لأنه عند ذكر الملخص في المقدمة كان أول خبرين هما بالترتيب: أولا تصريحات أسقف كانتربري و من ثم ثانيا خبر قرار البرلمان التركي. لو لاحظتم، الخبران ذُكرا قبل مستجدات أخبار الانتخابات الأمريكية. العجيب في الأمر أنه لأول مرة خبرين متعلقين بالإسلام و بعيديَن عن الإرهاب يتصدران عناوين أخبار قناة محترمة مثل الـBBC.


الصراحة أنني أُعجبت بالأسقف الأنجليكاني روان وليامز بعد تصريحاته. و لكن ما زادني في "إعجابي" به هو فيما قاله بعد ذلك لاستدراك ما قد يساء فهمه بالنسبة له هو!! هو لم يتراجع عن ما قاله و لكن قال بأنه لا يدعو إلى اعتماد الشريعة الإسلامية قانونيا في بريطانيا و إنما كانت دعوته لاحترام هذه الشريعة في المجتمع البريطاني الذي يعيش فيه العدد غير القليل من المسلمين. إعجابي هنا بسبب عدم تغيير كلامه تماما أو اعتذاره من زلة لسان -مثلا- مثلما تعودنا سابقا. طبعا الأسقف أتته مضايقات وصلت إلى المطالبة باستقالته. لكن على العموم حدث جدير بالابتهاج تجاهه.


الأمر تعدى ذلك ببدء النقاش حول الأوضاع القانونية للمسلمين حول أوروبا كلها. و خاصة هنا النقاش -إذا بدأ فعلا- سيكون أكبر في فرنسا لأن المسلمين هناك يمثلوا 10%. بل تعدى الأمر إلى ضلوع الكنيسة الكاثوليكية في طرح مسألة الشريعة الإسلامية لمواجهة العلمانية في أوروبا!!


قناة الـCNN الدولية (مختلفة عن الـCNN المحلية داخل أمريكا) أيضا أفردت لقاء مع عضوة جماعة قومية علمانية في بريطانيا و عضو جماعة إسلامية في بريطانيا أيضا (للأسف لم أتمكن من التحصل على اسميهما) . و تطرق النقاش إلى مفهوم "الشريعة" كقانون مبتعدا عن الصورة النمطية في جمع كلمات (شريعة-أصولية-إرهاب-إلخ) مع بعضها بعيدة عن السياق.


قرار البرلمان التركي أيضا احتاج إلى "استدعاء" مراسلة الـCNN في أوروبا -لندن بالتحديد- للسؤال عن ما حصل من اعتصامات لأنصار الجناح العلماني في تركيا ضد القرار. الحوار المقتضب مع تلك المراسلة انتهى إلى تأكيد صغر حجم هذا الاعتراض بمقابل حجم التأييد الشعبي الكبير للقرار مع الإيقان بأن الرئيس عبدالله غُل سيقر قرار البرلمان -بالطبع!!-. (للملاحظة: زوجة غُل اسمها "خير النساء" و هي أول من أدخلت الحجاب إلى القصر الرئاسي التركي تحت دولة تركيا الحديثة!!).


رفع الحظر على غطاء الرأس في الجامعات التركية أعتبره خطوة "رمزية" في طريق نجاح إسلاميي تركيا. و يعطي درس للحركات الإسلامية المنتشرة في كل أنحاء العالم في كيفية التعامل مع العالم الحديث. هذا العالم الحديث الجديد المبني على القوانين المادية. العالم الذي لا يلقي بالاً لما حصل في العصور "القديمة" للإسلام ولا إلى أساليب "السياسة" في تلك الأزمان. القنوات التي استخدمها إسلاميو تركيا هي الوحيدة الناجعة في هذا الزمن لتحقيق ما ينادي به المسلمون صباحا و مساء و فقط بصوت عال "مزعج" من غير فعالية ملحوظة. قد يكون أثر ذلك يأتي متأخرا لكن أن يأتي متأخرا خير من ألا يأتي أبدا.


الإعلام العالمي قد يكون بدأ مرحلة النضج في التعامل مع "الإسلام" مثلما قلت في البداية، لكن ذلك مرهون أيضا بتفاعل طبقة المتلقين لهذه النوعية من الأخبار (من مسلمين أو غيرهم).



Share/Save/Bookmark

3 التعليقات:

  علي المشهور

11 فبراير 2008 في 4:43 م

أرجو أن يقابل هذا الانفتاح في الغرب انفتاح في الشرق.

ما زال الكثير ينظر إلى الغرب و(الكفار) على أنهم كلهم حاقدين على الإسلام!

بخصوص قرار تركيا أنا لا أعرف ما المشكلة مع أنصار العلمانية إذا سمح بالحجاب في الجامعات؟! هل فيه تعدي على حقوقهم الشخصية؟!

  Dana

12 فبراير 2008 في 3:53 ص

بسم الله الرحمن الرحيم

اتمنى فعلا ان يكون تضج اعلامي
و ليس مجرد فرقعة اعلامية تطويها صفحات الايام القادمة

  محمد طاهر شهاب

12 فبراير 2008 في 4:34 ص

أنصار العلمانية في تركيا يحاولون المحافظة على علمانية تركيا ولن يتنازلو عن ذلك

بل حتى أشد منتقدي تصريحات الأسقف هم من الذين يخافون ظهور فكرة القانون الديني بشكل عام وليس الإسلامي بشكل خاص

و التساؤل إذا كان هذا "النضج" سيستمر أو لا؟ فهو مرهون بدرجة تقبل المتلقين -بأنواعهم- لمثل هذه المواضيع

إرسال تعليق